09‏/03‏/2007

المجسّم بنية ورؤية





خلال إشرافي على المعرض السعودي الأول للأعمال ثلاثية الأبعاد كان لي فرصة التعامل مع الكثير من المجسمات المقبولة وغير المقبولة للعرض زادت على 120 عمل فني أنجزت بمواد مختلفة.... وبصرف النظر عن القيمة الفنية للأعمال فقد لاحظت ضعفا عاما في الاهتمام بالبنية الهندسية للعمل لدرجة القلق من تلفها في أية لحظة وتجزم بأن هذا العمل لن يعيش طويلا.
صحيح أن الفنان له مطلق الحرية في تشكيل عمله لتوصيل رؤيته إلا أنه يجب أن يراعي طبيعة المادة التي يستخدمها لإنجازه ومتطلباتها التقنية لتحقيق تماسكه وصلابته لإطالة عمره. إلا إذا كان الفنان يرى في عمله منجز مؤقت كبعض الأعمال المفاهيمية والترتيب في الفراغ.
إن بعض الأعمال تحمل عيوبا خطيرة و كأن الفنان قصد لها أن تنكسر في أي لحظة. أعزو ذلك أحيانا لقلة الخبرة في التعامل مع المادة المستخدمة وقصر التجربة ، إلا أن هذه الأخطاء تصدر أيضا من بعض الفنانين الذين لهم شهرة في ساحة التشكيل السعودي. و الأمثلة على ذلك كثيرة جداً ولا أريد ذكر حالات بعينها إلا أنني ألخصها فيما يلي:
أستغرب بذل الفنان جهداً في عمل فني بمواد رخيصة لا تدوم.ومثله استخدام مواد مقلدة سريعة العطب
، يبخل البعض في شراء المواد الجيدة أو تعلم العمل على مواد أفضل.
عدم التناسب بين مركز ثقل العمل و مساحة و ثقل القاعدة إذ أن للفنان حرية العمل بدون التفات لمركز الثقل (التوازن) بشرط تثبيته في قاعدة تعدل الخلل إن وجد وتضمن عدم سقوطه.
كذلك الأمر مع عدم تسوية قاعدة المنحوتة الأمر الذي يؤدي إلى تأرجحها و احتمال سقوطه بلمسة فضولية من أحد الزوار.
عدم التناسب بين ثقل العمل وشكله وحجمه من جهة والمادة المستخدمة في تنفيذه إذ أن بعض الأشكال يلزم الأمر معها تغيير المادة المستخدمة. ومع الخبرة يستطيع الفنان تحديد المادة المناسبة لكل شكل فالأحجار مثلا تختلف من حيث صلابتها وتماسكها والبرونز أكثر مرونة من الحجر...
توصيل القطع مع بعضها بمسامير أو وصلات ذات حجم أو طول غير مناسب لطول القطع المراد ربطها وثقلها و درجة ميلها. وكذلك الأمر مع توصيل العمل الفني بقاعدته.
التباين بين ثقل العمل و الصلابة بين القاعدة والعمل . رأينا أعمالا مصنوعة من مواد هشّة مركبة على قواعد رخامية ثقيلة
استخدام مواد لاصقة غير مناسبة مع خامة العمل أو أنها استخدمت في مواضع يجب استخدام الربط الميكانيكي و العكس صحيح.
ضعف الخبرة في التعامل مع الخامات خاصة تلك التي تتطلب مراحل تقنية متعددة كالخزف والسيراميك الأمر الذي يؤدي إلى ضعف تماسك المادة أو حدوث الشقوق ويزيد الأمر سوءاً لجوء البعض إلى محاولة تغطيتها بوسائل مختلفة لتصبح كالفخ لمن يحملها فتتعرض للكسر في يده.
وفي الجعبة الكثير.

02‏/03‏/2007

هل نحن نعيش فوق الأرض؟




هذا العمل من ثقافته وليس من ذاته عبارة طرحها الأستاذ الدكتور أحمد عبد الكريم الأستاذ بقسم التربية الفنية بجامعة الملك سعود تعليقا على عمل حديث لأحد الفنانين التشكيليين السعوديين.... قد تكون الثقافة جزء من الذات وقد لا تكون . ربطت هذه العبارة بما عشنا من تحول سريع في المملكة تناول الإنسان والبيئة بصورة أحدثت ربكة في مختلف مناحي إنتاجنا المادي والأدبي على نحو سواء. أصبحنا نعرف الكثير عن العالم لكن بسطحية. كنا في الماضي أكثر معرفة بالأرض التي تحت أقدامنا و أكثر التصاقا بها ،خبرتنا كبيرة بطبيعتها ودروبها و نباتها وحيواناتها وأشجارها و أنوائها ومطالع نجومها نميز أدق تفاصيلها. ومع الانقلاب السريع الذي أحدثه التحديث فقد الكثير منا هذه المعارف و أصبحنا نعيش في بيئات مصطنعة تحيط بنا من كل مكان، وساهمت وسائل التقنية الحديثة في عزلنا عن البيئة الطبيعية ...لم نعد نميز روائح البيئة بل أصبحت أنوفنا خبيرة بتمييز دخان الديزل و البنزين والمطاط المحترق بدلا عن الخزامى والأقحوان و الرمث ...نقلتنا وسائل المواصلات بسرعة لا نكاد معها نلمس الأرض أو نحس بها أو نستمتع بجمالها وندرك تفاصيلها: الرحلة التي كانت تستغرق شهرا أصبحت تمضي في ساعات في صندوق مقفل سائر أو طائر، فقد البعض منا حتى المعرفة بالاتجاهات إذ هو يسير فوق الخطوط السوداء التي رسمت له يمينا وشمالا.
كم نفتقد ذلك الديباج الأسود المنقوش بالدر والآلي في ليالي الصيف عندما كنا نصعد للسطح للنوم...جاء مصباح أديسون بتعاون من أجهزة التكييف لتضرب ساعتنا البيولوجية فصار ليلنا نهار واختفت النجوم منه وتم تجريده من وظيفته كملهم للشعراء.
ثم جاءت وسائل الترفيه والاتصال الحديثة لكي نعيش معها في خيال تلمس فيه عقولنا الأشياء ولا تلمسها أيدينا. جمعت لنا فنون الشرق والغرب في صندوق واحد فنون لا نحس بها على وجه الحقيقة بل نراها فقط. في نظري وقد أكون مصيبا علينا أن نعيد حساباتنا و أن نستلهم بيئتنا، أن نخرج من هذه المدن أن نعيد التواصل مع الأرض بألوانها و أشكالها و رائحتها وحركتها لكي نقدم فنا أصيلا ينبع من الذات وليس من الثقافة الخيالية

.