24‏/11‏/2009

الحقيقة بين الواقع والخيال

قبل سنوات قرأت خبراً عن عائلة كندية ذهبت إلى البرية في عطلة صيفية، و كان معهم ابنتهم الوحيدة ذات الثلاث سنوات.  اقترب من معسكرهم دب  فما كان من ابنتهم إلا أن توجهت إليه بفرح تظنه مثل دمى الدببة  التي تتلقاهها من الجميع ، ظنته المسكينة (دبدوب كبير) لكن من لطف الله بها أن انتبه والداها إلى الكارثة التي أوشكت أن تحل  وتمكنا من طرد الدب بشجاعة لا تظهر إلا في مثل هذه المواقف.
تذكرت هذه القصة و أنا أرى ابنتي الصغرى تتسمر أمام شاشة التلفزيون لمشاهدة توم وجيري، ثم تذكرت خوف ابني الأكبر من الحيوانات الأليفة، وصراعي معهم حول الساعات التي يقضونها في ممارسة الألعاب الالكترونية وكيف صرفتهم عن الواقع  وجعلتهم يلامسون الخيال بدون إحساس أو تمكن من التعامل مع حقيقته.  إلى أن برز (توماس) في منزلنا ...قط بائس رماه أحدهم مع والدته واثنين من إخوته قرب ورشتي في شمال الرياض المحاصرة بعصابات الكلاب.  كان الجو حاراً فكان أول ما يتبادر إلى من في قلبه شفقة هو أن يسقيهم. سقيتهم و واظبت على إحضار بعض الطعام لهم، لكن بعد أيام أدركت خطر الكلاب عليهم حيث تمكنت من أحد الصغار وجرحت الآخر ووجدت الأم تقف مدافعة كاللبوءة في وجه الكلاب  ولسان حالها يقول(و إذا لم يكن من الموت بد@@@ فمن العار أن تموت جباناً) ...قمت بطرد الكلاب، وقررت إعادة هذه العائلة الصغيرة  إلى المدينة، تمكنت من إدخال الأم وأحد صغارها في كرتون وعندما حاولت إدخال الآخر حاولت بضراوة الخروج فقررت وضع الصغير معي ووضعت الكرتون في  صندوق سيارتي . قررت التوجه بهم إلى حديقة قريبة يتوفر فيها الطعام والماء والظل. لكن عندما وصلت وجدت أن الأم وصغيرها قد فرا ............بحثت عنهم دون جدوى وترددت في ترك الصغير الآخر لوحده فكان لابد من أخذه معي للمنزل.
أقنعت أم الأولاد بأنه لن يبقى سوى لأيام حتى أتمكن من حل مشكلته،  ولكنه كان لجود أعظم هدية أقدمها لها مرددة قول الخادمة في أفلام توم وجيري (توماس::  يو   قود فور نوثنق).  شيئاً فشيئاً بدأت ابنتي في التعامل مع توم الواقعي، وبدأ في تعليمها من يكون كيف يأكل وكيف يشرب و ماذا يحب وكيف يخرج من المنزل ويعود، كيف ينام وعلى ماذا (ينام الآن على أحد معاطفها القديمة!!!) تعلمت أيضا أن له مخالب حادة لا يخرجها الا في ظروف خاصة و أن له أعداء من بني جلدته.  دروس كثيرة............
الأمر غير المتوقع  هو أن يحمله ابني الكبير المصاب برهاب الحيوانات .
كمٌّ كبير من الصور الخيالية نحملها للواقع ولكنها صور زائفة تنكشف عند ملامسة الحقيقة.
هي دعوة للعود إلى الواقع.