18‏/12‏/2009

حنين نجد ، أيقونة فنية لا يقرأها سواي






قبل أربع عشرة سنة كنت في بلاد الغربة أعاني من حنين النجدي إلى نجد ، حنين قرأناه في شعر الصّمة القشيري ومالك ابن الريب وغيرهم : حنين من قال:



 أكرر طرفي نحو نجدٍ وإنني       إليه وإن لم يدرك الطّرف أنظرُ



حنيناً إلى أرضٍ كأن ترابها         إذا مُطرِت عود ومسك وعنبر



 وما نظري من نحو نجدٍ بنافعي      أجل لا، ولكني إلى ذاك أنظرُ



لم نكن ندرك طعم الحنين إلى نجد إلى أن جربنا الغربة في ديار خضراء باردة كمقبرة ، كنت في بلاد الإنجليز أصارع لوعة الحنين إلى نجد و لم أكن لوحدي بل كانت معي أسرتي الصغيرة ونخلة بذرتها نواة في أصيص جعلتها في شباك جنوبي لعلها ترى أطياف نجد . كبرت تلك النخلة وزادت الإلفة بيني وبينها أدنو منها فتخفف لوعة الحنين بسعفها الغض... أزف الرحيل إلى الديار واشتعل البيت حماسا لجمع المتاع وبقيت تلك النخلة الصغيرة ترقب المكان . لم تكن من المتاع بل من الأسرة ولم أكن لأتنازل عنها لزوجة صديقي التي طمعت في تبنيها بعد رحيلنا ولكن ذلك مستحيل فلن أفرط في أحد من أولادي. لففت أغصانها الغضة بعد أن قلمتها و أعطيتها أولادي يتناوبون حملها كطفلة صغيرة وسط تعجب الناس في مطار هيثرو، لم أكن لأسمح بأن توضع مع العفش بل لكم أن تتخيلوا نخلة في مقعد من مقاعد درجة الأفق بالطائرة منّ الله به عليها دون أن أدفع أجرته. في مطار الرياض كان الناس أقل لطفا أحدهم صائحاً: (شوفو هاللي جايب نخله من بريطانيا) موظف الجمارك اكتفى بابتسامة صفراء، لكم شعرت بالسعادة و أنا أخرج من مطار الملك خالد حاملا نخلتي العزيزة .في اليوم التالي صحبتها لمزرعة أخي و اخترت لها مكانا بالقرب من البركة وكنت قلقا من هذه النقلة التي قطعت بها أكثر من 45 درجة طولية وثلاثين عرضية . لكنها كانت نخلة مثلما النجدي يحن إلى أرضه ويسعد بلقائها، عمر نخلتي الآن أربع عشرة سنة، حية نظرة تختزل قصتي مع الغربة...أيقونة فنية لا يقرأها أحد سواي.